هل يمكن للصلاة أن تشفينا؟ (1\2)

بيولوجيا الصلاة:

هل يمكن للصلاة أن تشفينا؟

طوني صغبيني

*

(مترجمة عن مقال بالإنكليزية، منشور في مجلّة ميستيرا عدد 1، كانون الأول 2010)

*

الصلاة قد تكون أقدم فعل روحي في التاريخ، نجدها لدى جميع الحضارات، في كل الأزمنة وفي كل الأمكنة، من دون أي استثناء على الإطلاق. في زمننا “العلمي”، الصلاة هي الممارسة الروحية الأكثر “عناداً”، كأنها جزء من تكوين الإنسان نفسه. حين نواجه مرضاً خطيراً، معظمنا قد يجد نفسه يصلّي لكي يُشفى أو على الأقل لكى تقوى عزيمته ويتجاوز المحنة. لكن هل يمكن للصلاة فعلاً أن تشفينا؟ هل يمكن للصلاة فعلاً أن تحسّن صحّتنا؟

الدراسات العلمية الحديثة حول الصلة بين الروحانية والصلاة من جهة، والصحّة الفيزيائية من جهة أخرى، تُظهر في الواقع أن الإجابة على هذه الأسئلة، هي، للمفاجأة، نعم.

ماذا تقول الأبحاث العلميّة

 طوال القرن العشرين، تعامل الطبّ التقليدي مع الجسم البشري على أنه مجموع أعضاء منفصلة تمتلك كلّ منها أدوار بيولوجية محدّدة وتتفاعل مع بعضها البعض من خلال علاقات فيزيائية بحتة. الوعي، القوى النفسيّة والذهنية لم يكن لديها أي مكان في هذه المنظومة الطبّية، وتم بالتالي تهميش كل الطب الروحي البديل والشفاء المرتبط بآليات روحانية واعتُبرت كُلها على أنها لا تؤثر فعلياً على الصحّة.

 الاعتراف بالتأثيرات النفسية والذهنية على الجسم البيولوجي للإنسان كان عمليّة طويلة لم تكتمل بعد، بدأت أولى مراحلها في الخمسينات من القرن الماضي مع بروز الأبحاث حول “تأثير البلاسيبو” Placebo Effect[1]. لكن خلال السنوات الأخيرة فقط حتى بدأت المقاربات الطبيّة التي تعترف بالصلة بين الذهن والجسم تكتسب قبولاً متزايداً في الأوساط الطبّية.

الدراسات على التأثيرات الشفائية للصلاة هي اليوم محور الكثير من الجدل في المجتمع العلمي؛ بعض العلماء يعارضون المفهوم بالمطلق ويعتبرون أن أي بحث في هذا المجال هو مضيعة للموارد، آخرون يعتبرون أن دراسته هي مساهمة مهمّة للطبّ من حيث أنها تعزّز فهمنا لـ”الطاقات الدقيقة” للذهن والجسم البشريين التي تؤثر مباشرة على الصحّة.

المجموعة الأولى من العلماء تستشهد بدراسات خلصت إلى أن الصلوات لا تؤثر في الواقع على صحّة ممارسيها، مثل الدراسة التي أجراها ج.م آفيل على مجموعة من مرضى القلب[2] وتلك التي أجراها م.ك كورسوف على المرضى اللذين أجروا جراحة صدريّة[3]. الدراستان أظهرتا أنه لا يوجد تأثير ملموس على صحّة المرضى اللذين تلّقوا دعوات في الصلوات من آخرين.

لكن، من الملفت للنظر، أن كورسوف قال بعد الدراسة أن هذه الأبحاث ليست الكلمة النهائية في هذا الموضوع، مشيراً إلى أنه وجد مؤشرات إيجابية تستوجب المزيد من البحث. وشرح كورسوف أنه هنالك أساس نظري للشفاء عن بُعد عبر الصلاة قائلاً: “حين كان فيزياء الكوانتوم في طور التشكيل، كتب أينشتان عن تفاعلات غريبة بين الذرات عن بُعد. هذا يشكّل على الأقل بنية نظرية واحدة يمكن أن تدعم المقولات حول الشفاء عن بعد وتأثير الصلاة”[4].

من ناحية ثانية، هنالك أدلة متزايدة في الدراسات الطبّية مؤخراً إلى أن الصلاة تمتلك بالفعل تأثيراً إيجابياً.

...

في دراسة منهجّية حول الأبحاث الطبيّة في هذا المجال، ظهر أن 57 في المئة من الدراسات حول تأثير الصلاة على الصحّة خلُصت إلى أنه هنالك تأثير ملموس يمكن به قياس عمليات “شفاء عن بُعد”[5]. دراسة أخرى عالجت كل الأبحاث السريريّة والمخبريّة حول الشفاء عبر اللمس (باليدين) والشفاء عن بُعد (عبر الصلاة) التي نُشرت بين عامي 1955 و2001، أظهرت أن 71 % من الدراسات السريرية و62 % من الدراسات المخبرية كان لديها نتائج إيجابية[6].

إحدى الأبحاث الميدانية المهمّة في هذا المجال كانت الدراسة السريريّة التي قادها الدكتور ل. ليبوفيشي وشملت 3393 مريض؛ من هؤلاء، تم اختيار نحو النصف وطُلب من مجموعة أخرى أن يدعوا لهم بالشفاء في صلواتهم خلال فترة محدّدة من دون أن يعلم المرضى بذلك. في نهاية الدراسة، مجموعة المرضى التي تلقّت الدعوات بالشفاء كانت فترات الحمّى لديها أقلّ من المجموعة الأخرى وبقيت وقتاً أقل في المستشفى[7].

دراسة أخرى مثيرة للجدل قادها طبيب القلب راندولف بيرد في العام 1988 وشملت 400 مريض في القلب تم توزيعهم بشكل عشوائي على مجموعات أخرى صلّت من أجّلهم. ولكي يعزلوا العمليّة عن تأثير البلاسيبو، كانت الدراسة “عمياء على الجهتين” أي أنه لا المرضى ولا الأطباء علموا أي مريض يتلقّى الصلاة لكي لا يؤثر ذلك نفسياً على حكمهم أو صحّتهم. الدراسة أظهرت أن المرضى الذي تلقّوا صلوات الشفاء كان لديهم صحّة أفضل، حاجة أقلّ للمضادات الحيوية وحوادث أقلّ من الوذمات الرئوية. النتائج الإيجابية نفسها ظهرت في دراسة مشابهة في العام 1999 شملت 1000 مريض في القلب في مدينة كنساس في الولايات المتحدة الأميركية[8].

النتائج المذهلة للدراسات في هذا المجال لا تقف هنا. هنالك دراسات أخرى أجريت أيضاً بطريقة “عمياء على الجهتين”، أظهرت أن الصلاة أثّرت بشكل إيجابي على احتمالات حمل النساء التي تخضع للعلاج من العقم عبر عملية الإخصاب الاصطناعي in vitro fertilization embryo transfer. النساء اللواتي تلقّين الصلوات كان لديهن ضعف نسب الحمل الناجح بالمقارنة مع النساء اللواتي لم يتلقيّن الصلاة[9]. إحدى الدراسات أظهرت أن الصلاة التشفّعية لديها تأثير حتى إن كان المتلّقي حيواناً آخر غير الإنسان. البحث الذي نُشرت عام 2006 درس تأثير الصلاة على بعض الحيوانات البرّية المجروحة، ووجد أن الحيوانات التي تلقّت الصلاة كان لديها وتيرة أسرع في الشفاء وانحسار أسرع للجروح ومؤشرات صحية أفضل بشكل عام من الحيوانات الأخرى[10]. أبحاث أخرى أظهرت أن الصلاة لديها تأثير على النباتات أيضاً.

(الجزء الثاني حول التفسيرات المختلفة لتأثير الصلاة على الإنسان يُنشر غداً الثلاثاء).


[1]  تأثير البلاسيبو: يحدث حين يؤثر إيمان المريض بالقدرة الشفائية للدواء على عمليّة الشفاء بشكل ملموس، حتى حين يكون الدواء وهمياً (كما في حالة إعطاء المريض حبوب سكّر تشبه الدواء وإجراء عمليات الجراحة الوهميّة).

[2] J.M Aviles and others, Intercessory prayer and cardiovascular disease progression in a coronary care unit population, Mayo Clin Proc, US, 2001.

[3] M.W Krucoff and others, Music, imagery, touch, and prayer as adjuncts to interventional cardiac care: The Monitoring and Actualisation of Noetic Trainings (MANTRA) II, Lancet, 2005.

[4] Researchers Look at Prayer and Healing, By Rob Stein, Washington Post, Friday, March 24, 2006.

[5] J.A Astin and others, The efficacy of “distant healing”, Ann Intern Med 2000.

[6] C.C Crawford and others, A systematic review of the quality of research on hands-on and distance healing, Altern, The Health Med, 2003.

[7] Leibovici L. Effects of remote, retroactive intercessory prayer on outcomes in patients with bloodstream infection, BMJ, 2001.

[8] Researchers Look at Prayer and Healing, By Rob Stein, OPCIT.

[9] K.Y Cha and others, Does prayer influence the success of in vitro fertilization-embryo transfer? J Reprod Med, Seoul, 2001.

[10] KT Lesniak, The effect of intercessory prayer on wound healing in nonhuman primates, Altern, The Health Med 2006.

__________________________________

*

يمكن العودة إلى فهرس العدد الثاني على هذا الرابط: الذهن على المادّة، القدرات الخفيّة للإنسان

*

Posted on أوت 15, 2011, in مقالات علميّة and tagged , , , , , . Bookmark the permalink. 8 تعليقات.

  1. كتير عظيمة المقالة…

  2. الأبحاث التي تذكرها تتركز حول مدة البقاء في المستشفى، أو فترة الحمى أو مقارنات بين عوامل هي في النهاية غير متجانسة بين كائن و آخر. مثلا فترة الشفاء من حمى معينة تختلف من إنسان لآخر بسبب عوامل كثيرة و متعددة. في البحوث المذكورة، المرضى تم شفائهم مع أو من دون صلاة.
    لذلك، أرى أن السؤال في عنوان المقال فيه الكثير من الوعود غير الموجودة في الأبحاث الذي ذكرتها. مثلا، الصلاة وحدها من دون دواء أو طعام أو راحة جسدية و نفسية، لن تشفي حتى أبسط الأمراض.
    أو مثلا، هل تمكنت الصلاة وحدها (أو غيرها من الطقوس الدينية) من إعادة عضو مبتور في جسد الإنسان؟ أو في شفاء مرض عضّال، أو في إيجاد شفاء لمرضى السكري أو غيرها من الأمراض؟
    رح كون في إنتظار التفسيرات في جزء الغد لمواصلة النقاش.
    تحياتي.

    • مراحب عادل،
      الأبحاث لم تشمل فقط مدة البقاء في المستشفى أو الحمى، شملت أيضاً الحاجة للأدوية والوذمات الرئوية والتخصيب الاصطناعي وسرعة شفاء الجروح، مع العلم ان هذه تم أخذها كمؤشرات حول وتيرة عمليّة الشفاء لتسهيل البحث وليس كعامل مقرّر في عمليّة الشفاء. ببعض الأماكن كان من الأدقّ القول أن “الصلاة تساعد على الشفاء” بدل القول أن الصلاة “تشفي”، لكن فضّلت استعمال التعبير الأخير انطلاقاً من تعريف للشفاء مختلف عن التعريف الطبّي التقليدي؛ عم بحكي عن الشفاء كعمليّة نفسيّة وروحية وجسدّية لا فقط بيولوجية كما في الطبّ التقليدي.

      ثانياً، لم يزعم المقال في أي جملة ان الصلاة وحدها من دون دواء أو طعام يمكن أن تشفي، والإشارة لهالموضوع بتعليقك خارج السياق.

      ثالثاً، سؤال هل يمكن للصلاة أن تعيد عضو مبتور هو سؤال مركّب غلط لأنه يشبه سؤال “هل يمكن للسيارة أن تنقلنا إلى القمر بما أنها وسيلة نقل”، السيارة لا يمكن أن تنقلنا إلى القمر رغم انها وسيلة نقل، والصلاة لا يمكن أن تعيد عضو مبتور رغم انها تساعد على الشفاء، الموضوعين يخضعان لآليات مختلفة.
      رغم ذلك، هناك العديد من الحالات المثبتة حول قدرة الصلاة على شفاء أمراض مستعصية لكن لم يكن مجال ذكرها هون لأن الموضوع عن الأبحاث العلمية ومش عن الأمور التي تندرج في إطار “العجائب”.

      تحياتي

  3. مراحب
    اول شي بالنسبة للصلاة الذاتية فممكن انها تتفسر كتأثير للبلاسيبو على قولة المثل:”الي بيآمن بالحجر بيشفى”
    بس بالنسبة للصلاة عن بعد موضوع بيحير …
    دمت بخير
    على فكرة عندي اقتراح عن موضوع للطرح .

    • مرحبتين Agnostic
      بالنسبة لاقتراح المواضيع صديقي اذا بدك راسلني على البريد الالكتروني المحطوط بمعلومات الاتصال أو اترك تعليق هون
      بانتظار اقتراحاتك : )

  4. شكرا الك من امتع المقالات ألي قريتها.

  5. مجهود رائع احسنت الاختيار ..

أضف تعليق