أرشيف المدونة

ماعات: مفتاح الدين المصري القديم

تصوّر معاصر لماعات: الحقيقة، العدالة، التوازن، النظام والأخلاق

حين يعلموننا الدين المصري القديم في المدارس الثانوية في العالم العربي، غالباً ما يركّز الدرس على أن محور هذا الدين يتمثّل في فكرة أن “الفرعون هو الإله” وأن المصريين القدماء كانوا سعداء لأنهم كانوا يؤمنون بحياة ثانية بعد الموت. هذا الطرح ليس مبسّط ومجتزأ فحسب، بل هو مسيء للتراث الروحي المصري القديم. لذلك سنتحدّث اليوم عن المفتاح الأساسي الذي يمكّننا من فهم الدين المصري القديم ونظرته للحياة والكون. سنتحدّث عن “ماعات” Ma’at.

“ماعات” مفهوم معقّد هو محور الدين المصري والنظرة المصرية للوجود؛ الكلمة لا يوجد لها ترجمة دقيقة لأنها تعني أكثر من أمر في وقت واحد. “ماعات” هي “الحقيقة”، “العدالة”، “النظام” و”التوازن” في الوقت نفسه، كما تعني أحياناً “القيام بالتصرّف الصحيح – الخيّر” وفقاً للسياق اللغوي الذي تأتي به. “ماعات” كانت تُعتبر إلهة رئيسية في الدين المصري كما كانت تُعتبر مفهوماً مجرّداً يصف النظام الكوني المرتّب والمتوازن. وهي بذلك القوّة التي تحرّك الكون باتجاه التوازن والحقيقة والعدالة كما أنها هي هذا التوازن الكوني والحقيقة مجسّدة.

ماعات هي بالتالي النظام الثابت الأزلي للعالم، وتنطبق على المنظومات الفيزيائية كالكون والكواكب كما على المنظومات الحيّة كممالك الحيوانات والمجتمع البشري. وُجدت “ماعات”، أو النظام الكوني، وفقاً للدين المصري القديم منذ لحظة الخلق الأولى، وُلدت فوق محيط الفوضى اللانهائية التي تشكّل اليوم الفضاء الأسود. من دونها يخسر العالم تناسقه وتوازنه وعدالته. “ماعات”، وفقاً للاعتقاد المصري، مهدّدة باستمرار من العديد من قوى الفوضى والدمار، لذلك من واجبات البشر المساهمة في حفظ معات وتقويتها. وهذا هو الجوهر المحرّك للدين المصري القديم.

التصوّر المصري التقليدي لماعات

الوظيفة الرئيسية لمعظم أرباب مجمع الآلهة المصري هي حفظ ماعات على مستوى الكون والطبيعة؛ هذا التوازن الدقيق الذي نراه في الطبيعة هو نتيجة عملهم وتناغمهم سوية. أما البشر، فيعني مفهوم “ماعات” بالنسبة لهم أنه عليهم أن يتعلموا التعاون والتعايش مع بعضهم بعضاً، أن يضعوا الحقيقة مثالاً أعلى في حياتهم، وأن يتعلموا التوازن أيضاً، لا بينهم وبين الآخرين فحسب بل مع Read the rest of this entry