عدد 3: “عودة أوزيريس”

“عودة أوزيريس”: الدين المصري القديم وإعادة إحياؤه حول العالم

اسكندرية-415، العدد الثالث

حكمة مصر القديمة هي من أعظم الألغاز الروحية في التاريخ؛ هي وريثة أطلنتيس والنبع الذي نهلت من حكمته كل الحضارات القديمة. وفقاً للعديد من الأساطير، الأرض السوداء كانت البيت الأوّل لأخوية الحكمة الأولى منذ 12 ألف عام التي نقلت وحفظت ونشرت الحكمة من مصر إلى كل أصقاع الأرض.

التقدّم الفلسفي والروحي والعلمي في مصر القديمة حيّر كل العلماء منذ الاكتشافات الأركيولوجية الأولى حتى اليوم. دراسة الحضارة المصرية القديمة في الغرب هي اختصاص قائم بذاته مع جامعاته وأساتذته وأبحاثه الخاصة. حكمة هذه الحضارة شكّلت ولا تزال المصدر الأوّل للوحي بالنسبة للعديد من الفلاسفة والشعراء ورجال الدين والمؤلفين في الدول الغربية، لدرجة أن كل تيار روحي جديد تقريباً يدّعي تحدّره من الحكمة المصرية القديمة وترعرعه على ضفاف النيل.

السبب الأساسي لقدرة الحكمة المصرية على إبهار العديد من الناس حول العالم لم يكن توغّلها في التاريخ القديم فحسب، بل صلاحيّتها الكبيرة لعالم اليوم كطريقة حياة وحكمة وفلسفة حيّة. هذا الفهم لأهميّة وصلاحيّة الحكمة المصرية دفع العديدين حول العالم ابتداءً من سبعينيات القرن الماضي إلى إعادة إحياء الدين المصري القديم حتى تحوّل اليوم إلى المنزل الروحي الحيّ للآلاف حول العالم بعد ألفي سنة من غيابه.

أما نحن في العالم العربي، فنكاد لا نعرف أي شيء عن مصر القديمة ودينها، حتى المصريين منّا. بل إن البعض منّا يرفض حتى أن يتعلّم عنها بحجّة أنها وثنية وضالّة. البعض يعتبر أن الإنجاز الأهم للمصريين القدماء كان التوحيد الديني في ظلّ الفرعون أخناتون الذي ألغى الديانة المصرية التعدّدية والغنيّة وفرض على المصريين عبادة آتون كإله أوحد غير مرئي. لكن في الواقع، إن التوحيد الأخناتوني كان أسوأ حدث ثقافي حصل لمصر القديمة، وسبّب صدمة هائلة في البلاد لدرجة أن المصريين، بعد وفاة أخناتون، عادوا إلى دينهم القديم وأزالوا اسم أخناتون وكل ما يشير إليه وإلى الإله آتون عن النصب والأحجار والمكتبات، كأنهم أرادوا بذلك أن يمحوا من ذاكرتهم نهائياً تلك المرحلة المؤلمة.

للأسف، حين انتشرت المسيحية في مصر وأصبحت هي الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية، برزت الكنيسة المصرية كواحدة من الكنائس الأكثر تطرفاً وتشدّداً بين كنائس العالم القديم ولعبت دوراً رئيسياً في دفن الحكمة المصرية القديمة وتوليد عصور الظلمة التي لحقتها. آخر لمحات المقاومة في المتوسّط كانت مع هيباتيا الاسكندرانية التي نعرف قصّتها جيداً، وهي آخر عالمة ومعلّمة نيو-أفلاطونية في المدينة التي شهدت في أيام جبروتها ولادة أهم المدارس الفلسفية للعالم القديم. الفتوحات الإسلامية فيما بعد ساهمت في الطمر النهائي للحكمة المصرية القديمة، والحكم الإسلامي اللاحق عملت على ترسيخ معاداة هذه الحكمة لدرجة نشعر فيها أن بعض الأصوليات الدينية المنتشرة اليوم قد تطالب بتفكيك الأهرامات!

الدين المصري القديم دين حكمة وتوازن وتسامح واحتفال بالحياة، هو جوهرة نادرة تستطيع إغناء عالمنا العربي روحياً وفلسفياً وحياتياً. وهو بالتالي يستحقّ أكثر بكثير من عدد واحد في اسكندرية-415. هذا العدد المتواضع الذي نضعه اليوم بين يدي القارىء العربي بشكل عام، والقارىء المصري، وريث الأرض السوداء بشكل خاص، ليس كافٍ أبداً للإطلاع على كافة جوانب الحكمة المصرية وتجلّياتها القديمة والحديثة، لكننا نأمل أن يكون محفّز صغير له لكي يتعمّق في هذه الحكمة أكثر وليكتشف أن تراثنا الروحي غني وجميل وعميق ومن أغنى المدارس في العالم.

العدد الحالي من مدوّنتنا المتواضعة سيعالج بشكل أساسي المفهوم الرئيسي في الدين المصري القديم “ماعات”، وسيضيء على إعادة الإحياء الحديثة للدين المصري المعروفة باسم الكيميتية (اشتقاقاً عن اسم مصر القديمة “كيميت” الذي يعني الأرض السوداء – الخصبة). وسنضيء كذلك على بعض الأساطير والممارسات والرموز بالإضافة إلى شهادات حيّة من ممارسين حاليين للدين الكيميتي (المصري القديم).

هذا الموضوع كما كل مواضيع المدوّنة مفتوح للمساهمات الفنّية والكتابيّة وغيرها، يمكن إرسال المساهمات على البريد التالي

 tsaghbiny [at] gmail.com

*

فهرس مواضيع العدد الثالث:

ماعات: مفتاح الدين المصري القديم

الديانة الكيميتية الحديثة

–  أسطورة أيزيس وأوزيريس

صلاة شكر كيميتيّة

الآلهة المصرية القديمة (1\2)

الآلهة المصرية القديمة (2\2)

صلاة لأيزيس

صلاة للإله جب (إله الأرض المصري)

طقوس كيميتية حديثة

رحلة إلى الكيميتية (مقابلة)

Posted on سبتمبر 5, 2011, in فهرس and tagged , , , , , , , , , , . Bookmark the permalink. 7 تعليقات.

أضف تعليق